ثقافة الشعوب في الألعاب

منذ فجر تاريخ صناعة الألعاب والألعاب تنقسم إلى عدة مكونات من أدوات تشغيلية وعرض وتخزين إضافة لفكرة بسيطة يمكن أن تسلي اللاعب لبرهة من الوقت حتى يجد غيرها، مع تقدم الزمن قليلاً وتطور التقنيات بات بالإمكان تضمين العديد من الأشياء الكمالية إلى هذه المكونات والتي تحولت لجزء من تجربة الألعاب مثل “حضارة الشعوب” وهي الحقيقة التي قد يغفل عنها الكثير منا بسبب إنغماسه بتلك التركيبة المتكاملة بلعبته، اليوم نأخذكم برحلة عبر الزمن لنتعرف إلى أي مدى تؤثر حضارة الشعوب في صناعة الألعاب.

أشهر شخصيات الألعاب التي يعود لها الفضل بتطور سوق الألعاب مثل شخصيتا ماريو ولينك من شركة ننتتدو اليابانية، لو أمعنا النظر بشخصية ماريو سنجد بأن اسمه وتصميمه وشاربه كلها مبنية من الأساس على شخصية سباك إيطالي والسباك هو من يعمل بإصلاح أنابيب الصرف الصحي، طبعاً لا يمكننا تصور أنفسنا نقفز في أنابيب الصرف الصحي كما يفعل ماريو للإنتقال إلى عوالم جديدة لكن تطبيق الفكرة بألعابه تسبب بإفتعال نقلة بالصناعة، أما شخصية لينك فهي محاكية لشخصية الفتى الذي لا يتقدم بالسن بيتر بان “من قصص ديزني الشهيرة” مع خلطها ببعض قصص الحضارات الأوروبية وكلها كماليات على فكرة اللعب التي أعجبت الكثيرين وألهمت الصناع.

أساطير الألعاب بما فيها شارب ماريو وملابس لينك الخضراء كانت بحاجة للإستلهام قليلاً من بعض الحضارات.

في ثمانيات القرن الماضي كانت لعبة الدهليز والأشباح Pac-Man هي إحدى صيحات صالات الأركيد المدوية آنذاك والتي وضعت شركة نامكو اليابانية في أعلى مراتب الشهرة والربحية، ظهرت الشخصية منذ أول إصدارٍ لها حتى الآن في أكثر من ثلاثين لعبة مختلفة لتصبح إحدى الشخصيات المحبوبة في عالم الألعاب لكن ماذا عن شكلها الدائري؟ لنستمع إلى قصتها بشكل مختصر ونرجو بأن لا تكون أغرب قصة تسمعونها:

هل كان يعلم أحدكم بأن شخصية Pac-Man هي عبارة عن شطيرة بيتزا منقوصة قطعة واحدة؟ هذه نصف القصة التي قصها علينا مبتكرها Toru Iwatani وهي لعبة مخصصة لجذب النساء من اللاعبين ومبنية على فكرة الأكل لزيادة القوة مشابهة لفكرة باباي والسبانخ مع مجموعة أشباح ظريفة تمثل العدو باللعبة، الأصوات التي تصدرها الشخصية هي “Paku-Paku” وفي الثقافة اليابانية هي وصف لطريقة الأكل بشراهة، قد تكون هذه الحقائق مجرد مقومات للعبة Pac-Man أو بالتسمية اليابانية Pakkuman ولكن إن نظرنا إليها من زاوية أخرى سنلاحظ بأن هذه اللعبة الغريبة هي خليط بين فكرة وثقافات شعوب مختلفة.

باكو-باكو-باكو-باكو-باكو-باكو … من يأكل بشراهة هناك؟ حذاري ستصاب بالتخمة!

معلومة: الإسم الحقيقي لشخصية ميقامان في اليابان هو Rockman وشقيقته Roll وقد تم تسميتهما على غرار فرقة موسيقية تحمل نفس التسمية Rock & Roll.

في العام 1991 قامت شركة سيقا بإصدار جهازها الجديد سيقا ميقادرايف 2 الذي مثل بدايتها الفعلية بالسوق مع مجموعة قوية من الإصدارات على رأسها لعبة القنفذ الأزرق السريع Sonic والتي وضعتها بمنافسة شرسة مع شركة ننتندو، ما قد لا يدركه البعض هو بأن لعبة سونيك نفسها مستلهمة من لعبة ماريو ولكن مع سرعة بتختيم المراحل وشخصيات مختلفة وذلك لتقديم مستوى يفوق أداء السباك الإيطالي حتى على مستوى شاربه الذي يمتلك الدكتور إيقمان شارباً أطول وأضخم منه، هذه مجرد البداية فقط لحقيقة أن شخصية أيقونية مثل سونيك كانت متأثرة بشكل كلي تقريباً بحضارة الشعوب، لذا لنتوقف قليلاً معها بالفقرة القادمة.

بالرغم من أن لعبة سونيك مبنية على فكرة لعبة ناجحة إلا أن هدف سيقا كان بتحقيق المزيد، تم تصميم سونيك بلمسة تذكر المشاهد بشخصية المطرب الأجنبي الشهير مايكل جاكسون والحديث هنا عن نوعية الحذاء الذي يرتديه سونيك واشتهر به المطرب إضافة لإدراج مراحل الكازينوهات التي يتردد عليها المطرب والتي نشاهدها بكثرة بسلسلة ألعاب سونيك كما أن ألحان السلسلة الكلاسيكية محاكية لألحان المطرب وهناك دلائل بأن المطرب شخصياً هو من قام بتصميمها لكنه لم يستمر طويلاً لخلافات نشبت بينه وبين الشركة لكن سيقا ترفض الإعتراف.

Earnest Evans إحدى روائع فريق وولف تيم، هل كانت إنديانا جونز النسخة اليابانية؟

دخلنا العام 1995 وصدرت أجهزة الجيل الخامس وقدمت ثورة 3D التي نقلت تجربة الألعاب لبعدٍ آخر، حصلنا على العديد من العناوين المميزة من ضمنها لعبة كراش بانديكوت التي تحكي مغامرات حيوان البانديكوت ضد عدوه دكتور كورتيكس في جزيرة وومبا في جنوب أستراليا والتي نقلت إلينا الكثير من صورة تلك الحضارة وتعرفنا على شخصية لارا كرافت لأول مرة في مغامرتها لإستكشاف الحضارة المصرية ولا ننسى لعبة السحلية GEX 3 التي تنقلنا لعوالم وحضارات مختلفة بكل مرحلة من مراحلها والعديد غيرها من الألعاب استغلت حضارات الشعوب لكي تكون جزءً هاماً من مغامرتها وهويتها التي أحببناها بها ولكن هل يصدق أحدكم بأن قلاع كاسلفينيا هي الأخرى حقيقية؟

القصر الشهير الذي يسكنه الكونت دراكولا بالسلسلة هو نفسه قصر Bran Castle القابع في رومانيا وكثيراً ما تم الترويج بقصر Hudyad Castle كموقع لأحداث اللعبة والعديد من القصور الحقيقية تم إقتباسها لبناء عالم سلسلة كاسلفينيا التي أحدثت ثورة بصناعة الألعاب خصوصاً عند ظهورها بحلتها الجديدة بإصدارة Castlevania: Symphony of the Night أشهر عنوان بالسلسلة على الإطلاق ولإبقائه مميزاً تم إستعمال قصر Mont St Michel ليمثل غلاف النسخة الغربية من اللعبة، ليس هذا فحسب فحتى المخلوقات التي واجهناها بالسلسلة هي مقتبسة من قصص وحضارات حقيقية قد لا ينتبه اللاعب لها ولعل أبسط الأمثلة هي مخلوقات الوورق الخرافية “الذئاب العملاقة ببداية اللعبة”.

قصر Mont St Michel أُستخدم بغلاف لعبة كاسلفينيا 1997 .

قبل الإنتقال لجزئية أخرى من التقرير، أجهزة الجيل الخامس قدمت قدرات رسومية جديدة للمطورين تم إستغلالها لجلب أدوات حقيقية من كافة الحضارات كالأطعمة، العلاج، السحر والعياذ بالله والأسلحة سواء التقليدية أم الحديثة منها فمثلاً، عندما نعجب بالأسلحة والمعدات التي يمتلكها الجندي الخارق سوليد سنيك من سلسلة ألعاب ميتل قير علينا أن نعلم بأن أعضاء الفريق قد أجروا الكثير من البحوث والدراسات حتى أضافوا هذه الأسلحة واستخداماتها للعبة وإحدى العادات التي يقوم بها مبتكر السلسلة المخرج هيدو كوجيما هو بالتردد على صالات السينما للإستلهام عند عمله على مشاريعه. لنترك الجندي الخارق لينجز مهمته ولنحزم أمتعتنا للإنتقال لحقبة زمنية جديدة.

الجيل السادس من الأجهزة المنزلية وصل إلى الأسواق!

الجيل السادس من ألعاب الفيديو قام بتعريف الصناعة بصنف جديد كلياً Hack n Slash وهو صنف يدمج بين سرعة ألعاب القتال والحماس المستمر لألعاب الأكشن وحصلنا على العديد من العناوين المميزة منه والتي إلتصقت بها قلوب المعجبين من الوهلة الأولى كلعبة Devil May Cry ولعبة God of War ولاحقاً لعبة Bayonetta وبينما كان الجميع مشدوهاً لما تقدمه هذه الألعاب من سحر وروعة، غاب عن بالنا بأن كل ما نشاهده فيها من أبطال وأشرار وقصص وعوالم تم إقتباسها من حضارات حقيقية إضافة لبعض قصص المؤلفين الشهيرة وفي بعض الأحيان قد تصل للإقتباس الحرفي لأسماء الشخصيات وطباعها! كل هذا يعطينا فكرة لأي مستوى قد يقوم المطور بالإطلاع على الحضارات المختلفة لكي يقدم لنا شخصية دانتي بحسه الفكاهي أو مغامرة كريتوس الملحمية أو المباني المعامرية المقتبسة من الحضارة الإيطالية في بايونيتا.

تعرفنا أيضاً على “جوهرة” بسوق الألعاب تدعى Phantom Dust وهي نتاج جهود مضنية قدمتها أستوديوهات مايكروسوفت اليابانية والتي للأسف بقيت بصندوق المجوهرات دون أن يمسها الكثيرون، اللعبة مزجت بين الإبتكار والمتعة والبعد القصصي المذهل دون الإلتفات لما تقدمه الألعاب التي تسبقها بالسوق وبالرغم ن ذلك احتاجت إلى القليل من لمسات حضارة الشعوب ليسطع لمعانها بهذه الطريقة فلو أمعنا النظر قليلاً لما تقدمه اللعبة فهي تستعمل باقة من مقطوعات موسيقية حقيقية ليس كالعمل كموسيقى تصويرية بل لخدمة عالم اللعبة وطريقة بناء اللعبة والقصة التي حيرت فكري حتى بعد تختيمها.

لحظة! شيئٌ ما يجري تحت الأرض! ألا تشعرون بذلك؟

قيرز أوف وور تجتاح الأسواق وعصر جديد من الإثارة!

كعادة العناوين التي يتم التقليل منها لتميزها لم تنجو Gears Of War من تنسيب إنجازاتها لألعاب أخرى لكن ما غاب عن بال البعض بأن التميز الحقيقي للعبة كان بالإتجاه المعاكس، فريق التطوير ضخ الكثير من مشاعره وذكرياته الحقيقية باللعبة والتي لا يمكن أن يعوضها مطور آخر، حصولنا على شخصية Baird كانت بسبب ذكرى مبتكر اللعبة مع أحد أصدقاء الطفولة، دووم سانتياقو حصل على تسميته الأخيرة من كلمة على علبة سجارة تحمل نفس التسمية والصورة الشهيرة مع زوجته التي يحتفظ بها دائماً هي محاكاة لصورة مبتكر اللعبة مع عشيقته، والأتموسفير الإضطهادي ضد البشر من قبل مخلوقات اللوكاست والذي تميزت به اللعبة هو تجسيد لما يتعرض له مساجين معتقل كوانتانامو في جزيرة كوبا قرب أمريكا والذي يمثل همجية هذا العصر.

أرادت مايكروسوفت إعادة نجاحات سلسلة قيرز بالتعوان مع شريك جديد هذه المرة وبمشروع جديد كلياً بعنوان Ryse Son Of Rome، كان من الواضح جداً بأن العنوان يحكي قصة لعبة تدور أحداثها في روما القديمة وقد نكتفي بهذا الحد من الزاوية التي ينظر منها تقريرنا لكن مصدر الإلهام الحقيقي كان فيلم “Gladiator” فائق الشهرة واللعبة إستفادت كثيراً منه لبناء عالمها الخلاب ولكنها لم تنجح بأسر قلوب اللاعبين كما فعل الفيلم وقد تكون التركيبة التي إعتمد عليها فريق التطوير لبناء لعبته غير مدروسة كفاية لمنح اللعبة الهوية ترضي شغف محبي الألعاب.

“ماستر تشيف” هو اسم رتبة عسكرية بالقوات البحرية

وصلنا لنهاية رحلتنا مع تقريرنا وعذراً على الإطالة ونأمل بأن الفكرة “حضارة الشعوب في ألعاب الفيديو” التي قدمها التقرير كانت مفيدة بالنسبة لكم لأن من المهم أن ندرك بأن كبار المطورين والمتيزين بالصناعة بذلوا جهوداً لا يمكننا تصورها أكثر بكثير من مجرد التخصص بمهنة تطوير الألعاب لكي يبهرونا بتجارب ترسخ في ذاكرة كلٍّ منا حتى لو كانت مفبركة من وحي خيال شعوب الحضارات.

نستودعكم الله جميعاً على أمل اللقاء بكم بمواضيع مشابهة بإذن الله.

الوسوم
مؤسس موقع بوسفايت جيمنج، لاعب مخضرم، كاتب مميز، مهتم بالجانب المشرق من الصناعة ويفضل إبرازه دائماً للاعبين. مسرورٌ بخدمة القراء وهدفه الإفادة والإستفادة بمجتمعات ألعاب الفيديو.
التعليقات
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com