لا أذكر المرة الأخيرة التي حظيت فيها بتجربة لعبة تعاقب أدوار يابانية محتفظة بهوية الصنف قد أجد بعض العناوين إن عدت بذاكرتي عشر سنوات للوراء لكن الأكيد بأنه أصبح من الصعب إقناعي بأن ما أقوم بتجربته هذه الأيام هو آربيجي ياباني ومن أيادي المطور الياباني الذي إعتدت على ألعابه، المسألة باتت بحاجة لمنقذ ينتشل هوية الصنف الضائعة وإعادتها للسطح مجدداً لعبة واحدة بهذا الجيل استطاعت أن تعيد الأمل رغم بساطتها وهي Child of Light ولكن، المفاجأة كانت بعنوان Battle Chasers الذي تعدى جميع الحدود التي رسمتها لذلك المنقذ. ما هو Battle Chasers Nightwar ؟ تم الإعلان عن باتل تشيسرز في العام 2015 كمشروع ناشيء عبر خدمة الدعم الكيك ستارتر من قبل joe Madureira مخرج ألعاب دارك سايدرز مع شركة تي أتش كيو سابقاً والمبني على قصصه المصورة التي صدرت بنفس العنوان في تسعينيات القرن الماضي، المشروع كما نلاحظ من تطوير فريق غربي لا يملك أي خبرة بصنف تعاقب الأدوار سوى الإعجاب وهذا هو الجزء الغريب بالتقرير بأكمله. حسب المخرج فهو متأثر بالفن الياباني ويمكن ملاحظة ذلك من توجهه الفني بالرسم وهو السبب الذي دفعه للتفكير بصنع لعبة تعاقب أدرار بحقوق قصصه المصورة. الفِكر الذي تحلى به “جوي” قبيل إصدار لعبته الذي كان يناقش به نقاط القوة والضعف في ألعاب تعاقب الأدوار اليابانية وما يجب التركيز عليه أو إضافته للحصول على منتج يرضي عشاق “الصنف” كان السبب الأول لجذبنا لمشروع باتل تشيسرز، لاشك بأن الكثير والكثير من العمل سينتظر “جوي” وفريقه المؤلف من 12 شخصاً إن كان يرغب بتحقيق جزء من فِكره وبإمكاننا إدارك ذلك بمجرد مقارنة حجم فريقه وإمكانياته المتواضعة بالأفرقة الكبيرة والمتقدمة التي تملكها الشركات اليابانية الضخمة ومن جهة أخرى قد لا يكترث أحد لإخفاقه كونها النهاية التي يقع بها حتى خبراء الصنف. “القصة ومميزاتها” قصة اللعبة متممة لأحداث القصص المصورة الأصلية ولن يصعب على اللاعب إدراك ذلك من الوهلة الأولى عند مشاهدة الأحداث الأولى منها، من خلال تجربتي القصة لا تلعب دوراً لأحد عناصر القوة باللعبة لكنها مؤكد سترضي متابعي القصة المصورة الأصلية كونها إمتداد لأحداثها وبداية ملحمة جديدة ضد قوى الشر. المميز بأن الفريق استغل حقيقة كون اللعبة مقتبسة من القصص المصورة ليقدم المقاطع السينمائية بأسلوب صور ثابتة على طريقة تلك القصص ليتغلب بهذا القرار على النقص بفريقه وبنفس الوقت لا يُشعر اللاعب بذلك النقص. علاوة على القصة الرئيسية، اللعبة تحتوي على الكثير من القصص الجانبية بمهامها الفرعية إضافة للمنشورات المتناثرة بزنازن اللعبة سواء لحل الألغاز أو لزيادة المعرفة بعالمها، هنالك أيضاً مسارات إضافية لبعض المهام تضيف تنوع قيِّم لمحتوى اللعبة عند إعادة التجربة كما أنها ترضي بهذه الطريقة من يبحث عن القصة أو للذين يخوضونها كلعبة قبل الإهتمام بالقصة. هناك كمالية مطبقة بشكل رائع قد لا توفرها الJRPG الأخرى وهي توفير نبذة مختصرة عن كل شخصية بصفحة “الحالة” وهذا يساعد اللاعب للدخول بالقصة أو استذكارها بسرعة سواء كان ملماً بها أم لا، وإضافتها مفيدة جداً بهذا الصنف من الألعاب. “الحركة والتجوال” التجوال بعالم اللعبة ينقسم لقسمين الأول عن طريق خارطة العالم والثاني في الزنازن وسنتطرق لكل منهما على حدى. التجوال بالخارطة مألوف وقد يكون أقرب للتجوال بلعبة Atelier Iris لكن الفرق بأن الأعداء بارزين عليها ويوجد عدة طرق لسلكها مما يتيح الخيار للاعب إما بالقتال أر تجنبه بعبور طريق أخرى، الجميل هنا بأنه عندما يتعدى مستوى “Lvl” لدى مقاتليك ضِعف مستوى الأعداء يتم تخييرك بقتالهم أم لا مما يجعل التجوال أكثر سلاسة بالأجزاء التي استكشفتها سابقاً من الخارطة وهذا نظام تفتقر إليه ألعاب الصنف وبالعادة يتم توفير أدوات معينة ومعمعة طويلة من الإجراءات لفعل ذلك. ميزة أخرى يمكن الإطراء عليها وهي بظهور موارد تجميعية على طرقات الخارطة تتجدد بإستمرار عند الدخول والخروج منها، تضفي للتجول وقطع المسافات سيراً أهمية ومتعة أكثر من أي وقتٍ مضى، أما بالنسبة للمدن والزنانزن فهي ظاهرة على الخارطة أيضاً قبل دخولها لكن المدن والمنازل يتم استكشافها مباشرة من الخارطة دون الحاجة لدخولها ومشاهدتها ببيئة ثلاثية الأبعاد وهنا نلاحظ فطنة المطور بإختيار القرار الصائب لإستغلال ميزانيته وقدرات فريقه عليه. نأتي الآن للتجوال بالزنازن وهو ما سيقوم به اللاعب معظم الوقت، خرائط الزنازن مبنية على شكل حجرات متتابعة وتستطيع التحكم بشخصيتك فيها بحرية أكبر من خارطة العالم لتفقد كل حجرة على حدى والإنتقال للحجرة التالية حتى تصل لزعيم الزنزانة. كل شخصية تمتلك ثلاث قدرات خاصة يمكن استخدامها إما لتجاوز عقبات الزنازن أو العلاج أو التعرض للأعداء قبل نزالهم وغيرها من الإستعمالات كما أن الألغاز متواجدة بكل زنزانة تقريباً ولحسن الحظ ليست تعجيزية لكنها ممتعة، حتى الآن قد تبدو ملامح التجوال بالزنازن أقرب لألعاب Diablo وPath of Exile لكننا في الحقيقة لم نبدأ بفلسفة المطور التي إتبعها هنا والتي كان يتحدث عنها قبيل الإصدار. أحد نقاط الضعف في ألعاب JRPG والتي ترغب اللعبة بالتغلب عليها هي منح التجول بالزنزان قيمة عند تكرارها أو استكشافها كاملة، وهنا سنلاحظ بأن قبل بداية كل زنزانة يتم تخيير اللاعب بين ثلاث مستويات للصعوبة للعب خلالها يكون المستوى الأول فيها هو الطبيعي والثاني لمحبي الصعوبة أما الثالث فهو للصعوبة القصوى والذي يفتح بعد تختيم الزنزانة مرة واحدة على الأقل. تختيم الزنزانة بأي من مستويات الصعوبة الثلاث يكافئ اللاعب بغنائم قيمة كما أن خارطة الزنزانة وترتيب الغرف فيها يتم بنائه بترتيب مختلف أو عشوائي لكي لا يشعر اللاعب بالملل عند التجوال بها مجدداً. ميكانيكية فريدة من نوعها تقدمها اللعبة تدعى “المكعب الغامض” وهي عبارة عن صندوق سحري تقوم بإيداع أحد أسلحتك فيه ثم يختفي الصندوق ليظهر بمكان آخر من الزنزانة وإن عثرت عليه سيتم مكافئتك بأداة أفضل أو أكثر ندرة من تلك التي أودعتها بداخله، حقيقة وبعد تجربة هذه الميكانيكية إضافة لمستويات الصعوبة المختلفة شعرت بمتعة في تكرار التجول بالزنازن وهي بالفعل أحد النقاط التي كنت أرغب بأن تعالجها ألعاب تعاقب الأدوار الأخرى خصوصاً عندما أصادف خنادق رائعة أرغب بقضاء وقت أطول فيها بأي وقت أريده دون الحاجة لإنتظار جزء معين من القصة يُرغمني للعودة إليها أو إعادة تختيم اللعبة. ننتقل الآن لِلُب موضوعنا وهو نظام القتال، هوية ألعاب تعاقب الأدوار الحقيقية. “نظام القتال” سُميت ألعاب تعاقب الأدوار بهذه التسمية لأن اللاعب يتقمص دور أحد شخصياته في نظام قتالها بكل مرة وتتعاقب الأدوار بعد ذلك بين اللاعب والعدو “الذكاء الإصطناعي” والتحكم يتم عن طريق اختيار الأوامر من قوائم القتال، انقسم الصنف لعدة أصناف فرعية بعد ذلك مثل تعاقب الأدوار الإستراتيجي أو الخنادق أما الأساسي فو الذي نشاهده بألعاب دارقون كويست وفاينل فانتسي الكلاسيكية وهذا ما تقدمه Battle chasers مع خلطة من العناصر المألوفة مثل الخط الزمني لترتيب أدوار الشخصيات أثناء القتال أو عداد Burst الذي يمتلئ عند احتدام القتال لتفعيل مهارات الشخصيات الخاصة وهو نظام تتبناه ببعض الألعاب اليابانية، حتى الآن كل شيء يبدو مألوفاً لكن ماذا بعد؟ اللعبة تعرفنا بعداد Heat وهو عامود طاقة خاص يتشارك مع عامود الطاقة المعروف “MP” يمتلىء عند تنفيذ الهجمات العادية ويستمر بالزيادة ما لم يستهلك اللاعب ضربة تستنفذ عداد الطاقة MP وتكون فائدته أشبه بتوفير طاقة احتياطية لإستنزافها عوضاً عن عداد MP فمثلاً لو تم استخدام ضربة تستنزف 50MP ولدى الشخصية 30 Heat فسيتم خصم 30 من 50 لتصبح تكلفة الضربة 20MP فقط ولو كان رصيد Heat يكفي فلا حاجة لإستنزاف عداد MP. كما نلاحظ اللعبة تحاول بهذا النظام معالجة أحد النقاط الشائكة بألعاب الصنف وهي نفاد عداد الطاقة والذي يعتمد عليه نظام القتال بشكل رئيسي. فبعد إضافة عداد Heat وميكانيكيات استخدامه، بات القتال يحظى بعمق أكثر من أي وقتٍ مضى بألعاب JRPG. اللعبة تقدم أيضاً بعض الدينماكية بالقتال لا توفرها بقية العناوين بكثرة، فمثلاً عند قيام أحد الأعداء بإشعال قنبلة ليرميها بدوره القادم، يستطيع اللاعب بأن ينتهز الفرصة ويهاجم هذا العدو والذي سيفسد هجومه مما يتسبب بإنفجار القنبلة مع بقية القنابل التي يحملها على ظهره ويتسبب بعد ذلك بضرر كبير لأصدقاه قد يؤدي لهلاكهم جميعاً، مثل هذه اللحظات الدينماكية تضفي حلاوة على جو القتال عوضاً عن تكرار نفس طريقة الهجوم بكل مرة للقضاء على العدو. ما ذكرناه حتى الآن بخصوص نظام القتال وخصائصه قد تضيفه الألعاب المتوفرة بالسوق هذه الأيام لكن لأي درجة يتم العناية بها ؟ لنستمع إذاً للسبب الذي يُعد من من الأسباب الرئيسية لهدم التجربة بألعاب تعاقب الأدوار وهو “السهولة المفرطة”. حقيقة… من حظيَّ بفرصة لتجربة لعبة MS Saga قبل أكثر من عشر سنوات لاشك بأنه أدرك بأن التحديق بقائمة القتال ومحاولة إنتقاء الأمر المناسب قد يتسبب بتعرق جبينه وكفيه بعكس ما يظنه المشاهد الذي يعتقد بأن لاعب الآربي جي لا يشعر بالصعوبة التي تواجه لاعبيألعاب التصويب أو الرياضة أو الرعب … الخ. نعم الصعوبة المدروسة من قبل المطور التي يتحدى بها اللاعب هي القلب النابض لهوية ألعاب تعاقب الأدوار وغياب هذا العنصر هو القشة التي قسمت ظهر البعير بألعاب تعاقب الأدوار اليابانية خلال السنوات الأخيرة، ويأتي ذلك لنية المطور بجعل هذا النوع مناسب للجماهير الكاجولية “الهاوية” بشكل لا يوصف قد يصل لكسب النزال مغمض العينين. لم يخلو حديث “جوي” من التركيز على أهمية مستوى الصعوبة والتخطيط بنزالات ألعاب تعاقب الأدوار وأن يشعر اللاعب بأنه يخوض نزلات مميزة بكل مرة وهذا ما تقدمه Battle Chasers بمغامرتها، قد لا يكون ذلك واضحاً ببداية اللعبة لكن مع التقدم تصبح أهميته أكبر وأكبر لدرجة تفضيل الهرب من أحد الأعداء العاديين خشية الخسارة بالزنزانة قبل ملاقاة الزعيم! نعم اللعبة أجبرتني على التفكير حتى قبل الدخول بالنزال ؟ هل أملك العلاج والمهارات الكافية إن صادفني العدو (أ) أم العدو (ب) وإن قررت خوض النزال هل أضحي بالطاقة التي أملكها أو أحتفظ وأعتمد على الهجمات العادية والHeat حتى أصادف نزالاً يستحق، هذا هو الحس المفقود بألعاب الصنف والذي كنا نمضي بسببه ساعات طويلة من التركيز حتى نتخطى تحدياته القاسية وكثيراً ما كنا نجتمع مع الأصدقاء للتناقش بكيفية التغلب عليها. “الخلاصة” بالرغم من أن Battle Chasers لعبة ذات تكلفة تطويرية صغيرة ومن عمل 12 شخصاً لكنها استطاعت معالجة بعض النقاط المتأزلة بألعاب تعاقب الأدوار اليابانية وأعادت قيمة النزالات فيها، وبهذا تنجح بتقديم نقلة إيجابية مع المحافظة على هوية الصنف التي أضاعها مطوري هذه الأيام. إقتربنا من نهاية تحليلنا الذي ركزنا فيه على نقاط الإعجاب التي غيرت نظرتنا لألعاب تعاقب الأدوار اليابانية وبالمطور الذي عرف كيفية التصرف كمطور يحسن إتخاذ القرار المناسب لتطبيق أفكاره. ولولا إفتقادها لتقديم لبعض الكماليات بشكل جيد من ألحان، تمثيل صوتي لكانت لوحة فنية متكاملة ينظر إليها كل معجب أو مطور لألعاب JRPG بكل إفتخار. شكراً للقراءة ونلقاكم بتجربة أخرى بإذن الله.